سورة الغاشية - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الغاشية)


        


قوله عزّ وجلّ: {هل أتاك} أي قد أتاك {حديث الغاشية} يعني القيامة، سمِّيت غاشية لأنها تغشى كل شيء بأهوالها، وقيل الغاشية النار، سُمِّيت بذلك لأنها تغشى وجوه الكفار {وجوه يومئذ} يعني يوم القيامة {خاشعة} يعني ذليلة، والمراد بالوجوه أصحابها فعبر بالجزء عن الكل، ولأن الوجه أشرف أعضاء الإنسان، فعبر به عنه. {عاملة ناصبة} قال ابن عباس: يعني الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام من عبد ة الأوثان وكفار أهل الكتاب، مثل الرهبان وأصحاب الصوامع، لا يقبل الله منهم اجتهاداً في ضلال بل يدخلون النار يوم القيامة. ومعنى النصب الدؤوب في العمل بالتعب.
(ق) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، أما الرواية فإنها تختص بمن أحدث في دين الإسلام شيئاً ابتدعه من عنده فهو مردود عليه لا يقبل منه. وأما الرواية الثانية فإنها تشتمل على كل عامل في دين الإسلام، أو غير دين الإسلام فإنه مردود عليه إذا لم يكن تابعاً لنبينا صلى الله عليه وسلم. وقيل في معنى الآية عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في الآخرة في النار. وقيل عاملة ناصبة في النار، لأنها لم تعمل لله في الدنيا فأعملها وأنصبها في النار بمعالجة السلاسل والأغلال، وهي رواية عن ابن عباس قال ابن مسعود: تخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل، وقيل يجرون على وجوههم في النار، وقيل يكلفون ارتقاء جبل من حديد في النار وهو قوله تعالى: {تصلى ناراً حامية} قال ابن عباس: قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله عزّ وجلّ: {تسقى من عين آنية} أي متناهية في الحرارة قد أوقدت عليها جهنم مذ خلقت لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت فيدفعون إليها وروداً عطاشاً، فهذا شرابهم، ثم ذكر طعامهم فقال تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} قيل هو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسميه قريش الشبرق فإذا هاج سموه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهي رواية عن ابن عباس، فإذا يبس لا تقربه دابة، وقيل الضريع في الدنيا هو الشوك اليابس الذي له ورق، وهو في الآخرة شوك من نار، وجاء في الحديث عن ابن عباس يرفعه الضريع شيء في النار يشبه الشوك، أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حراً من النار، قال أبو الدرداء: إن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون فيعطشهم ألف سنة ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة، ولا مريئة، فإذا أدنوه من وجوههم سلخ جلدة وجوههم، وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطعها فذلك قوله تعالى: {وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم} قال المفسرون فلما نزلت هذه الآية قال المشركون إن إبلنا لتسمن على الضريع وكذبوا في ذلك، فإن الإبل إنما ترعاه رطباً فإذا يبس لا تأكله.


{لا يسمن ولا يغني من جوع} يعني إن هذا الطعام لا تقدر البهائم على أكله فكيف يقدر الإنسان على أكله، فهو إذاً لا يسمن ولا يغني من جوع.
فإن قلت قد ذكر الله تعالى في هذه الآية أنّه لا طعام لهم إلا من ضريع، وذكر في موضع آخر أنه لا طعام لهم إلا من غسلين، فكيف الجمع بينهما؟!
قلت إن النار دركات فعلى قدر الذنوب تقع العقوبات، فمنهم من طعامه الزقوم لا غير، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من طعامه الغسلين.
ثم وصف أهل الجنة فقال تعالى: {وجوه يومئذ ناعمة} أي متنعّمة ذات بهجة وحسن، ونعمة، وكرامة {لسعيها راضية} أي لسعيها في الدنيا راضية في الآخرة حيث أعطيت الجنة بعملها. {في جنة عالية} قيل هو من العلو الذي هو الشرف، وقيل من العلو في المكان، وذلك لأن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض، كل درجة كما بين السماء والأرض. {لا تسمع فيها لاغية} أي ليس فيها لغو ولا باطل. {فيها عين جارية} على وجه الأرض في غير أخدود، وقيل تجري حيث أرادوا من منازلهم، وقصورهم. {فيها سرر مرفوعة} قال ابن عباس: ألواحها من ذهب، مكللة بالزبرجد، والياقوت، مرتفعة ما لم يجئ أهلها، فإذا أراد أهلها الجلوس عليها تواضعت لهم حتى يجلسوا عليها، ثم ترتفع إلى مواضعها {وأكواب} يعني الكيزان التي لا عرى لها. {موضوعة} يعني عندهم بين أيديهم، وقيل موضوعة على حافات العين الجارية كلما أرادوا الشرب منها وجدوها مملوءة. {ونمارق مصفوفة} يعني وسائد ومرافق مصفوفة، بعضها جنب بعض أينما أراد أن يجلس وليُّ الله جلس على واحدة، واستند إلى الأخرى. {وزرابي} يعني البسط العريضة قال ابن عباس: هي الطنافس التي لها خمل، واحدتها زربية {مبثوثة} أي مبسوطة، وقيل متفرقة في المجالس.
قوله عزّ وجلّ: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} قال أهل التفسير لما نعت الله عزّ وجلّ ما في هذه السورة مما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفر وكذبوه، فذكرهم الله صنعه، فقال: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإنما بدأ بالإبل لأنها من أنفس أموال العرب، ولهم فيها منافع كثيرة والمعنى إن الذي صنع لهم هذا في الدنيا هو الذي صنع لأهل الجنة ما صنع؛ وتكلمت علماء التفسير في وجه تخصيص الإبل بالذكر من بين سائر الحيوانات، فقال: مقاتل لأن العرب لم يروا بهيمة قط أعظم منها، ولم يشاهد الفيل إلا النادر منهم، وقال الكلبي لأنها تنهض بحملها وقد كانت باركة، وقال قتادة: لما ذكر الله تعالى ارتفاع سرر الجنة وفرشها قالوا كيف نصعدها فأنزل الله تعالى هذه الآية.


{وإلى السماء كيف رفعت} يعني فوق الأرض بغير عمد، ولا ينالها شيء. {وإلى الجبال كيف نصبت} أي على الأرض نصباً ثابتاً راسخاً لا يزول. {وإلى الأرض كيف سطحت} أي بسطت، ومهدت بحيث يستقر على ظهرها كل شيء. قال ابن عباس: المعنى هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض غير الله القادر على كل شيء. ولما ذكر الله تعالى دلائل التوحيد ولم يعتبروا ولم يتفكروا فيها خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {فذكر إنما أنت مذكر} أي فعظ إنما أنت واعظ {لست عليهم بمسيطر} أي بمسلط فتكرههم على الإيمان، وهذه الآية منسوخة نسختها آية القتال. {إلا من تولى وكفر} استثناء منقطع عما قبله معناه لكن من تولى وكفر بعد التذكير {فيعذبه الله العذاب الأكبر} وهو أن يدخله النار، وإنما قال: الأكبر لأنهم عذبوا في الدنيا بأنواع من العذاب مثل الجوع، والقحط والقتل، والأسر، فكانت النار أكبر من هذا كله. {إن إلينا إيابهم} أي رجوعهم بعد الموت. {ثم إن علينا حسابهم} يعني جزاءهم بعد الرجوع إلينا، والله أعلم.